العناوين

نزوى العمانية عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام 2015م




نزوى العمانية عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام 2015م

يوم استثنائي تشرق شمسه على مدينة نزوى، لأنه أول يوم من عام 2015 تكون فيه عاصمة للثقافة الإسلامية، يوم مختلف يشع نهاره على هذه المدينة العريقة، التي أناخ التاريخ ركابه بين رحابها وساحاتها وحاراتها ومعالمها، وسطرت الحضارة أسفارا من الإنجازات والإبداعات، حضارة موغلة في القدم، وتاريخ ضارب بعروقه في الأعماق السحيقة للزمن، وبدخول هذا اليوم تكون فيه نزوى رسميا عاصمة للثقافة الإسلامية، توقيت مضبوط على ساعة المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (ايسيسكو)، التي اختارت مدينة نزوى العمانية، لتكون هذا العام عاصمة وقبلة للثقافة والمثقفين، فهي مدينة استثنائية بامتياز، شهدت تاريخا ثقافيا وسياسيا بالأحداث، ونسجت ثوبها الحضاري على نول عماني وبأنامل عمانية، وسطرت تاريخها بأقلام مغموسة في أحبار الإبداع الأدبي والثقافي، فإذا هي مدينة تتكامل فيها ملامح الحضارة العمانية، وإذا هي نزوى التي دوخت الأساطين، وتسابقت في كتابة تاريخها الأقلام، وانتظمت القصائد الموزونة على خرير الأفلاج، وخرجت من مدارسها الأدبية والفقهية الدواوين والمصنفات، وأثرت المكتبة العمانية بمئات المؤلفات، بين مفقود ومخطوط ومرقون ومطبوع.

 

انطلقت الفعاليات الثقافية في اطار الاحتفاء بنزوى عاصمة للثقافة الاسلامية للعام 2015 في مختلف محافظات سلطنة عمان بعد أن اختارتها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (ايسيسكو) لتكون محط أنظار العالم العربي والإسلامي خلال هذا العام ومركز اشعاع علمي تبرز فيه نتاجها الثقافي والتاريخي والحضاري الذي يشغل مساحة كبيرة من عمر الزمان يزيد على اثني عشر قرناً .

وتم اختيار مدينة نزوى لتكون مركز هذه الاحتفائية العالمية لكونها مدينة ذات تأثير حضاري كبير على مر القرون .

وقد وصف حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في خطابه السامي الذي ألقاه في العام 1994م مدينة نزوى بأنها « معقل القادة والعظماء وموئل العلماء والفقهاء، ومرتاد الشعراء والأدباء « وأن لها في قلوب العمانيين منزلة عالية ومكانة سامية وقدر جليل .

ويتبدى التأثير الحضاري لمدينة نزوى في معالمها الأثرية الشامخة وقلاعها المنيفة كقلعة نزوى المستديرة، وحصنها الأثري المجاور لها .. ويعد هذان الصَّرحان من أهم آثار العمارة الحربية في نزوى بل إن القلعة والتي وصفت ب» الشهباء « لا يوجد لها مثيل في الشرق الأوسط .

وقد شيد الحصن في عهد الإمام الصلت بن مالك الخروصي «القرن الثالث الهجري»، أما القلعة فقد شيدت في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي، خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي .. واستغرق بناؤها 12 عاماً .. ويبلغ ارتفاعها 24 متراً، فيما يبلغ قطرها الخارجي 43 مترا.

أهمية تاريخية

ولأهمية هذه المعالم التاريخية والدينية فقد بذلت حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم « حفظه الله ورعاه « جهداً كبيراً في ترميمها، وكانت القلعة والحصن من بين أوائل ما تم ترميمه، وهما اليوم يعدان مقصداً للزوار من مختلف أقطار العالم، خاصة في موسم الشتاء الدافئ، حيث تنشط حركة السياحة الثقافية، ويزداد الإقبال على زيارة المعالم الأثرية.

وعرفت نزوى بالمكتبات أيضا ، وخرَّجت كبار الفقهاء والأدباء، وجلهم من أصحاب المصنفات والمؤلفات متعددة الأجزاء كالشيخ أحمد بن عبدالله بن موسى الكندي (ت: 557هـ) صاحب كتاب «المصنف» الذي طبع في 41 جزءاً، وكذلك الشيخ محمد بن ابراهيم الكندي (ت: 580هـ) صاحب موسوعة «بيان الشرع»، وقد طبعت في 72 جزءاً، وكلا الموسوعتين الفقهيتين وغيرهم من الذين برزوا كأعلام ثقافية، وتركوا مؤلفات تعد اليوم من أهم المراجع الثقافية والعلمية على مستوى العالم الإسلامي .

ولكون المكتبات القديمة تعد جزءا من ذاكرة المدينة جاءت المكتبة الملحقة بجامع السلطان قابوس بنزوى والتي يشرف عليها مركز السلطان قابوس للثقافة والعلوم لتعيد هذه الذاكرة بكل ثرائها .

كما كانت نزوى موطناً لكبار الشعراء في مختلف العصور، ومن أشهرهم الشاعر أبوبكر أحمد بن سعيد الستالي، الذي عاش في فترة حكم النباهنة خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين، والشاعر راشد بن خميس الحبسي «ت: 1150هـ»، وقد عاش في فترة حكم اليعاربة، وترك كل منهما ديواناً شعرياً كبيراً.

وتتميز مدينة نزوى بوجود العديد من المساجد ذات المحاريب المزخرفة التي يعود أقدمها إلى ثمانية قرون، حيث اكتمل تنقيش زخرفة محراب جامع « سعال « في ربيع الثاني من عام 650هـ/ يونيو 1252م، وما تزال زخرفة المحراب باقية إلى اليوم. وبلا شك فإن نزوى كانت حافلة بعشرات المساجد الأثرية، ذات المحاريب المزخرفة بالحروفيات، لكنها اندثرت وما بقي منها يؤكد على رواج حركة التنقيش على محاريب المساجد.

نظام مائي فريد من نوعه

ومن يزور نزوى المدينة اليوم تلوح له الجنائن والخمائل، في مساحات من الجمال الأخضر، تغطيها أصناف كثيرة من النخيل والحمضيات وقصب السكر وأنواع مختلف من البقوليات، ترويها أفلاج خصيبة أشهرها فلجا «دارس» و»الخطمين» بنيابة بركة الموز التابعة لنزوى وتم إدراج الفلجين ضمن لائحة التراث الإنساني، حيث أقرتهما لجنة التراث العالمي في يوليو عام 2006م .مع ثلاثة أفلاج عمانية أخرى، وهي فلج «الملكي» في ولاية إزكي بمحافظة الداخلية، وفلج «الميسر» في ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة، وفلج «الجيلة» في ولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية، تعبيرا عن المكانة الدولية لهذا النظام المائي الفريد من نوعه، الذي يشكل موروثاً حضارياً أبدعه العمانيون منذ ما يزيد عن ألفي عام، كأقدم هندسة ري في عمان.

وبمناسبة احتفائية نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية تقوم وزارة التراث والثقافة حاليا بتشييد مركز ثقافي في منطقة حي التراث، يتكون من مسرح ومكتبة عامة، ومكتبة للأطفال ونادي علمي ومسرح خارجي وورشة للأعمال الفنية، ونادي للموسيقى، وقاعة متعددة الأغراض، ومخزن للآثار وغيرها من المرافق الخدمية الأخرى داخل المركز، في مساحة تقترب من عشرة آلاف متر مربع، والمركز حاليا قيد البناء، وبدأت معالمه الخارجية تتضح .. ومن المتوقع ان ينتهي العمل منه مع منتصف هذا العام.

صورة حقيقة للحضارة الاسلامية

كما تم تصميم شعار خاص بمناسبة نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، يتشكل فيه معلمان من معالم التاريخ المعماري، وهما قبة جامع السلطان قابوس وقلعة نزوى، مع إضافة كلمة نزوى في شكل القبة، وجملة عاصمة الثقافة الإسلامية بخط الثلث، واعتمد في الشعار اللون الذهبي المتدرج.

وعند مدخل مدينة نزوى تنتصب بوابة نزوى الأثرية وتعكس في مكوناتها العمارة الأثرية، حيث تبدو أشبه بقوس مكلل ببرجين عاليين من طرفيه، وفي داخل البوابة ثمة مساحة يمكن أن تستخدم لتقديم معارض وتحف، لتبدو أشبه بالمتحف المعلق فوق الشارع.

ويشار الى أن احتفائية نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام تأتي على مستوى دول الوطن العربي وتتشارك معها مدينة «ألماتي» بكازاخستان على مستوى الدول الاسيوية، ومدينة «كوتونو» على مستوى الدول الإفريقية.

جدير بالذكر أن البرنامج الذي تبنته منظمة «إيسيسكو» يهدف الى تقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع، ونشر الثقافة الإسلامية، وتجديد مضامينها، وإنعاش رسالتها، وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن المختارة، وتعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها عالمنا اليوم.




              Pages   1 |