التحرير

افتتاحية: تنبهوا لصرختنا قبل وقوع الكارثة




تنبهوا لصرختنا قبل وقوع الكارثة

في الحسابات العالمية، إن الحروب لا تخاض من أجل الحروب فقط، وليس هي عمليات «كباش مسلح» بين قبضايات الكرة الارضية، ومباطحات في الساحة الكونية، بل إن للحروب نتائج قد تأتي أحياناً مباشرة وأحياناً غير مباشرة. فإذا قرأت هذا المقال اليوم، ستعرف بعد عشر سنوات او أقل، اننا كنا أول من أثار قصة المهجرين السوريين الى الاراضي اللبنانية بخوف كبير جداً، ربما يقضي آنفاً على المصير المسيحي في لبنان.

واذا كانت الدولة اللبنانية والقوى المسيحية غافلة حتى الآن عن هذا المخطط الكارثة على الوجود المسيحي في البلد، اننا وبكل جرأة نرفع الصرخة عالياً لنقول للمعنيين بالأمر: «أعذر من أنذر» وإن ما نعلنه اليوم هو الخوف الكبير من نتائج الحرب السورية، وليس الحرب بحد ذاتها.

إن ما يجعلنا الآن نطلق هذه الصرخة، لا ينطبق حقيقة مع الكلام الهيولي الشائع في الفلوات عن «المؤامرة» بالمطلق، او الفتنة التي لاكتها ألسن الناس منذ نصف قرن حتى اليوم.

بالنسبة لنا إن المسألة هي قصة معطيات كارثية حاصلة فوق أرض لبنان اليوم. فلبنان الذي يبلغ تعداد سكانه الاصليين أربعة ملايين نسمة، هو يحمل فوق أرضه ما يقارب المليون لاجيء فلسطيني بين مسجل وغير مسجل، يضاف الى ذلك ما يقارب المليون عامل سوري كانوا يعملون في رحابه قبل اندلاع الحرب السورية. ويضاف الى هؤلاء أخيراً مليون مهجر سوري قد يصبحون اربعة ملايين مهجر خلال سنوات قليلة مقبلة حسب التقارير.

من هنا، ومن هذه المعطيات التي يتحمل لبنان القسم الأكبر منها، بوجود أكثر من عشرين دولة عربية، نعود لنطرح ذات السؤال الذي طرحناه يوم تهجّر الفلسطينيون الى وطننا لبنان.

نحن ندرك أننا الآن لا نستطيع أن نرفض استقبال مهجر سوري واحد بناء على الروابط الأخوية والإنسانية بين الشعبين، لكننا ندرك ايضاً حجم الكوارث التي حلت بنا من مهجرين سابقين كادت تخيّرنا خلال حرب الـ 75 السابقة بين الموت والرحيل.

في أي حال، اننا اليوم كلبنانيين وكمسيحيين بشكل أخص، نتمنى على جميع الدول العربية الواعية حجم المشكلة والتي كانت ولم تزل ملتزمة في الخير العام العربي، أن تتقاسم مع لبنان هذا العدد الكبير من المهجرين، الى حين يعودوا الى بلادهم بكراماتهم بعد انتهاء الحرب، وإلا فاننا نعتبر أن تحميل لبنان هذا العبء الذي يفوق طاقته بعشرات المرات، قد ينتهي بانتهاء الوجود المسيحي هناك، في غفلة عن القوى المسيحية المتناحرة، ومن خلال يقظة سلبية جديدة لمحور القوى العالمية التي لا تزال تعمل في السر والعلن على قتلنا أو ترحيلنا الى أطراف الارض.    

                                                                   رئيس التحرير




              Pages