وداعاً بابا الفقراء والسلام! بابا الشعب! -الرب لا يتعب من المغفرة،... -قليل من الرحمة، يجعل العالم ...





وداعاً بابا الفقراء! بابا الشعب

25/04/2025
سيدني - الميدل ايست تايمز الدولية:
الكاردينال الارجنتيني خورخي ماريو بيرجوليو من بوينس آيرس الذي اعتلى الكرسي البابوي في 13 مارس 2013 انهى حياته عن عمر ناهز 88 سنة، بعد معاناة من التهاب رئوي حاد، في الساعة 7:35 من صباح يوم الاثنين  21 نيسان 2025، ثاني يوم الفصح المجيد. ليعود أسقف روما، قداسة البابا فرنسيس، إلى منزل الآب السماوي في سنة الرجاء. وكان قد أعلن قداسة البابا فرنسيس أن سنة 2025 هي سنة الرجاء بعنوان "حجاج الرجاء"، وهي سنة يوبيليّة وسنة الغفران والتوبة. هكذا يكون قد طوي بذلك سجل حبريّة دامت 12 سنة قاد فيها الكنيسة الكاثوليكيّة، فأحبه الجميع من كافة الطوائف
قداسة البابا فرنسيس هو أول بابا من الرهبنة اليسوعية، وليس فقط من ‌أمريكا الجنوبية بل من الأميركيتين، كما أنه أول بابا غير أوروبي منذ أكثر من 1000 عام. اختار البابا اسم فرنسيس و هو اول بابا يتخذ اسم فرنسيس متأثراً بالقديس فرنسيس الأسيزي، الذي تخلى عن ثروته من أجل خدمة الفقراء. فمشى عل خطاه بتواضعه الشديد وقربه من الناس و مساعدة المحتاجين. كما عُرِف البابا فرنسيس خلال جلوسه على الكرسي الرسولي بروحانيته العميقة، ببساطته وبعده عن الفخفخة وبمواقفه الإنسانية في قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ونبذ العنف. تميز أيضاً بالاهتمام بالفقراء والمهمشين، بمساعدة المحتاجين ومكافحة الجوع.
رحل البابا القديس! في سنة الرجاء، في عيد القيامة، عيد انتصار الحياة على الموت، هو الذي عاش فرح الإنجيل مكرّساً حياته كلها لخدمة الرب وكنيسته، هو الذي مشى على خطى معلمه يسوع المسيح وحمل رسالة المحبة والرحمة والتسامح التي ألهمت العالم.
رحل بابا الشعب!  البابا المنفتح على شعوب العالم كلها، الداعم للحوار البناء والتواصل بين مختلف الخلفيات والثقافات، وبناء جسور بين الاديان. البابا الذي لم يتكلم باسم الكاثوليك او المسيحيين فقط بل باسم البشرية أجمع والمطالب بالعدالة الاجتماعية في العالم كله. والناقد اللاذع لجشع الشركات وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
رحل بابا الفقراء والسلام! البابا المتعاطف مع الفقراء، كصوت صارخ للرحمة والإصلاح، معتبراً ان الفقر ﺻﻔﻌﺔ ﻛﱪى ﻟﻜﺮاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن. فكسر التقاليد بانفتاحه على المهمشين والمضطهدين و المستضعفين ، والتقى بالمسيحيين حول العالم الذين يواجهون الحرب والمجاعة والاضطهاد والفقر فزار البلدان الفقيرة كما ان اول زيارة له في روما كانت للمشردين و المهجرين.
كان يردد "شعبي فقير وأنا واحدٌ منهم" ويدعو الكهنة إلى أن يكونوا قريبين من الناس يسمعونهم، يشعرون بهم، ويخدمونهم بمحبة. كما انتقد البابا بشدة الرأسمالية و سماها بالمتوحشة، مؤكدا أنها تؤدي إلى تفاقم الفقر واللامساواة. ودعا إلى أن يكون الاقتصاد في خدمة الإنسان، وليس العكس.
رحل البابا المتواضع!  الذي عرف بالبساطة لا بالفخامة والابّهة، منذ ان كان اسقفاً في بلده حين تخلى عن سيارة الليموزين مع سائق شخصي، واكتفى بوسائل النقل العام. اما خلال الأيام الأولى من حبريته فأجرى تعديلات عديدة على التقاليد البابوية، كمثال احتفظ بالصليب الحديدي الذي كان يرتديه كرئيس أساقفة ولم يرتد الصليب الذهبي الذي ارتداه سابقيه. كما أطلّ بغفارة - بطرشيل - عادية بيضاء اللون، بدلاً من الحمراء التي يفرضها التقليد.
رحل البابا الثائر! هو الذي انتقد الإسراف والامتيازات في الفاتيكان، داعيًا قادة الكنيسة إلى التحلي بالتواضع. أعلن أيضاً أنه يريد أن تكون الكنيسة الكاثوليكية كنيسة الفقراء وأن تكون مهمتها محصورة في خدمة الفقير. كما عرف بالبعد عن التكلف في التقاليد فخرق قواعد البروتوكول وغير مسار الكنيسة الكاثوليكية باصلاحات جريئة إذ ألغى الكثير من التشريعات المتعلقة بالبابوية على سبيل المثال أقام في بيت القديسة مرثا، فاتخذ من أحد غرفه مقرًا بسيطاً لإقامته البابوية بدلاً من المقر الرسمي الفخم في القصر الرسولي.
حتى في مماته كسر التقاليد العريقة المتبعة في دفن البابوات داخل كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان اذ أوصى أن يدفن في سانتا ماريا ماجيوري. وهي الكنيسة التي اعتاد الصلاة فيها كثيرًا خلال فترة حبريته. كما أوصى باستبدال التوابيت الثلاثة (من السرو والرصاص والدردار) بتابوت واحد من الخشب المغطى بالزنك.
رحل بابا السلام! تاركاً إرثاً من المواقف السياسية ومسيرة حافلة بدعوات المحبة والسلام، هو الذي كان دوماً يدعو الى تحقيق السلام و جاهد كل حياته ليعم السلام في العالم كله. معلناً ان الحرب خسارة للجميع و اهانة للبشرية. كان دائماً يذكر لبنان في صلاته لوقف آلة الحرب حتى ينعم بالسلام. كما دعا الى وقف الحرب في الشرق الاوسط، في غزة و بين اوكرانيا وروسيا...
رحل بابا العائلة! اذ خص العائلة اهتماماً مميزاً خاصة الشبيبة متوجهاً لهم :"أعزائي الشباب، أدعوكم لكي تفكروا في هذا الشيء الجميل: أن الله يحبنا، والله يحبنا كما نحن، وليس كما نود أن نكون أو كما يريدنا المجتمع أن نكون: هو يحبنا بما نحن عليه. يحبنا بعيوبنا ومحدودياتنا وبرغبتنا في المضي قدمًا في الحياة. هكذا يدعونا الله، ثقوا لأن الله أب، وهو أب يحبنا."
رحل البابا الاستثنائي! حاملاً معه هموم الكنيسة الكاثوليكية، هموم الفقراء و المشردين وخاصة فاقدي الرجاء والامل. تاركاً بصمة مؤثرة اذ كان يشدد على قدرة الانسان على الحب والخدمة للوصول نحو عالم عادل ومتضامن وأخوي. بعد رحيل البابا فرنسيس العالم بانتظار تصاعد الدخان الابيض من كنيسة سيستينا لاعلان حبر أعظم جديد للكنيسة الكاثوليكية.

ما أجمل هاتين المقولتين الشهيرتين للبابا فرنسيس:
-الرب لا يتعب من المغفرة، نحن الذين نتعب من طلب المغفرة.
-قليل من الرحمة، يجعل العالم أقل قسوة وأكثر عدلاً.

جوسلين شربل بدوي
وداعاً للبابا فرنسيس! وداعاً لحاج الرجاء! لترقد روحك بسلام في ملكوت الرب الأبدي مع الأبرار والقديسين. المسيح قام! حقاً قام!