العم سام وجبروت ترامب !!! |
|
العم سام وجبروت ترامب !!! يطل علينا الرئيس الاميركي دونالد ترامب ملكاً على عرش الولايات المتحدة وامبراطوراً على العالم كله. ترامب المنتخب للمرة الثانية عاد بشخصية قوية وحادة، رافعاً شعار بدء العصر الذهبي لاميركا، ومطلقاً منذ اليوم الاول لاستلام مهامه، القوانين الصارمة والاوامر في بلده لاسيما فيما يتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين، وعلى دول ألعالم كله، مشهد لم نشهده من قبل. بدا كانه جاء ليغير ليس فقط الشرق الاوسط بل العالم كله والاقتصاد العالمي، فأشعل حرباً تجارية على أعدائه وحلفائه، حتى الجغرافيا يريد تغييرها. يقال ان الرئيس ترامب كان يحضّر برنامجه الرئاسي هذا منذ ٤ سنوات أي منذ ان استلم الرئيس جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة فأتى برنامجه حاضراً جاهزاً منذ اليوم الاول لاستلامه الحكم. اذ استهل عهده بالقوانين الصارمة والاستفزازية، وفرض التعريفات الجمركية بشكل تعسفي على كل دول العالم، والتحكم بمصير دول وشعوب. يستدعي رؤساء الدول للبحث معهم بامور مهمة للغاية،حساسة ومصيرية، تخص بلادهم، فيملي عليهم اوامره علناً امام العالم كله. ظاهرة جديدة لم نشهدها قبلاً، اذ جرت العادة ان تكون الاجتماعات بين روؤساء الدول مقفلة ومغلقة، وفي معظم الاحيان تتلى البيانات فيما بعد مع التحفظ عن كشف القرارات الحساسة. الاّ ان ترامب كسر القاعدة ونشر أجتماعه مع الرؤساء علناً امام العالم أجمع وعلى شاشات التلفزيونات كلها، حيث أحرجهم بإملاء اوامره عليهم. هكذا بدا لقاءه بملك الاردن طالباً منه استقبال فلسطينيي غزة في بلده، اذ يريد ترامب إفراغ قطاع غزة من أهله بهدف تحويله إلى “كوت دازور الشرق". موضوع كهذا لا يطرح بهذه البساطة والسهولة كما عرضها ترامب بكل برادة، حيث ان الملك عبد الله بدى محرجاً امام العالم كله فتملّص من الرد، وجاوب بحكمة قائلاً "عليّ أن أعمل ما فيه مصلحة بلدي، ما يمكن أن نقوم به فورا هو استقبال 2000 طفل مريض من غزة." ومن بعدها رفض رئيس مصر عبد الفتاح السيسي مقابلة ترامب، لكي لا يتعرض لموقف محرج امام شعبه والعالم ويضعه ترامب في نفس الموقف والمأزق الذي وقع فيه ملك الاردن. اما بالنسبة لاجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، بدا لي المشهد كأستاذ يستدعي تلميذه ليحاسبه على تصرف كان الاستاذ سابقاً قد حثّه وسنده لتنفيذه، بدا لي ترامب كاستاذ يعاقب تلميذه ويرفع المسطرة عليه. لم يبدُ أبداً لقاءاً بين رئيسين. إذ شهد اللقاء مشادة حادة علنية غير مسبوقة، لدرجة استرسل ترامب بتوبيخ زيلينسكي أمام الصحافيين والعالم أجمع، كما تم في نهاية اللقاء طرده من البيت الابيض، عند عدم تجاوب زيلينسكي لاوامر ترامب، ومنها تقديم تنازلات مثل التنازل عن أراض لروسيا، اضافة الى توقيع الصفقة التي من شأنها أن تمنح الولايات المتحدة نصف الموارد المعدنية في أوكرانيا. نتيجة لسياسة ترامب وتبدل الموقف الاميركي تجاه اوكرانيا، أضحت دول اوروبا واوكرانيا تنظر بقلق الى التقارب بين ترامب و نظيره الروسي فلادمير بوتين بعد ان أطلقت موسكو وواشنطن مباحثات من دون دعوة اوكرانيا او الاوروبيين اليها. وفيما بعد بطلب من ترامب، تم عقد محادثات مع زيلينسكي وكبار المسؤولين الاميركيين في السعودية وليس في اوروبا. تجاهل الدول الاوروبية من قبل ترامب، لاسيما ان المحادثات تتعلق بسياسة ومصير دولة اوروبية، ليس الا رسالة الى القارة العجوز بان اميركا هي اليوم سيدة العالم وهي التي تفرض نفوذها على العالم. من السياسة الى الجغرافيا، غيّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسمياً اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا، وقمة دينالي الواقعة في ولاية ألاسكا التي تعد أعلى قمة في أميركا الشمالية إلى جبل ماكينلي، معتبراً انه استرد الاسم الذي كان عليه سابقاً قبل ان يغيِّره الرئيس السابق باراك اوباما ليتضامن مع السكان الأصليين في ولاية ألاسكا. يعود اسم جبل ماكينلي الى سنة 1896 نسبة الى الرئيس الاميركي السابق وليم ماكينلي الذي شهدت رئاسته ازدهاراً ونمواً اقتصادياً سريعاً عندما رفع الرسوم الجمركية وروّج لتعزيز الصناعة الاميركية وحمى المصانع من المنافسة الخارجية كما نجح بالسيطرة على جزر الفلبين وجزر هاواي وكوبا…وهنا لا بد ان أشير الى ان ترامب ربما تأثر بسياسة هذا الرئيس فأعاد اسمه ومشى على خطاه. من السياسة والجغرافيا الى تغيير الخرائط والتوسع الاميركي، دعا أيضاً ترامب إلى ضم كندا كولاية أميركية على أن تصبح ولاية الـ51 الغالية، معتبراً أن كندا لن تكون دولة قابلة للحياة من دون الدعم الاميركي، اذ ان الولايات المتحدة تدعم كندا بما يصل إلى 100 مليار دولار سنوياً ما اعتبره ترامب غير طبيعي. الا ان الرفض اتى حاسماً من كندا. كرر ترامب أيضا اقتراحه الذي أعلن عنه في ولايته الأولى بأن تشتري الولايات المتحدة جزيرة غرينلاند التي تعد أكبر جزيرة في العالم، وهي منطقة ذاتية الحكم تابعة للدنمارك. لكن السلطات الدنماركية أكدت سابقا أنها لا تهتم ببيع غرينلاند، واعتبرته اقتراحاً سخيفاً. أشار أيضاً ترامب إلى أنه سوف يطالب باستعادة قناة بنما إلى السيادة الأمريكية. اذ ان تمويل القناة وإنشاؤها جرى من قبل الولايات المتحدة، لكنها أُعيدت إلى بنما بموجب اتفاقية وقعها الرئيس الأسبق جيمي كارتر. ومن التوسع الجغرافي الى التجارة العالمية، يفتح ترامب النار على جميع الدول ويفرض رسوماً جمركية على أكثر من 180دولة، لم يشهدها العالم منذ أوائل القرن العشرين وقد تراوحت بين 10و 50 بالمئة باستثناء الصين بشكل خاص التي اصبحت منتجاتها تخضع لضريبة بنسبة 104٪ ليعود لاحقاً ويرفعها ترامب لتصل الى 125٪ بسبب عدم احترامها الاسواق العالمية. كما سيتم لاحقاً الاعلان عن ضرائب اضافية على واردات الادوية. بالنسبة لاسرائيل، التي تعتبر ان الولايات المتحدة أقرب حليف لها وأكبر شريك تجاري لها، فقد فُرضت عليها رسوم جمركية أمريكية بنسبة 17٪ حتى اسرائيل لم يرحمها ترامب، رغم محاولة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو لدى زيارته لترامب في ٧ نيسان لاقناعه بالغاء هذه الرسوم على السلع الإسرائيلية وهي اول زيارة لترامب من رئيس دولة بعد فرض الرسوم الجمركية الترامبية، الا انها باءت بالفشل. أما بالنسبة لأستراليا، لم تُستثن من هذه الحزمة، حيث فُرض عليها رسوم بنسبة 10% على وارداتها إلى الولايات المتحدة، وهي النسبة الأدنى بين الدول المتضررة. لكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب لا يستثني اي بقعة على الكرة الارضية من فرض رسومه الجمركية، حتى فرض رسوماً جمركية بنسبة 10% على جزيرتي هيرد و ماكدونالدز. فعلّق رئيس الوزراء الاسترالي انطوني ألبانيز قائلاً: "حتى البطاريق (Penguins) لم تسلم من رسوم ترامب." لان هاتين الجزيرتين التابعتين لأستراليا هما مجموعة من الجزر البركانية القاحلة غير المأهولة بالسكان قرب القارة القطبية الجنوبية، والمغطاة بالأنهار الجليدية وموطن لطيور البطريق فقط، كما تُعد جزيرتا هيرد وماكدونالد، من بين أبعد الأماكن على وجه الأرض، ولا يمكن الوصول إليهما إلا عبر رحلة بحرية لمدة أسبوعين من بيرث على الساحل الغربي لأستراليا، ويُعتقد أن آخر زيارة لهما كانت قبل عشر سنوات. ومع ذلك، وردت جزيرتا هيرد وماكدونالد في قائمة أصدرها البيت الأبيض للدول التي ستُفرض عليها تعريفات تجارية جديدة. لبنان أيضاً نال نصيبه بنسبة 10% الا انه من الناحية الاقتصادية يبدو إجراء غير مؤثر مع محدودية الصادرات اللبنانية الى اميركا. ما ذكرناه من قرارات ترامبية ليست الا غيضُ من فيض. في نهاية المطاف، أتت هذه الرسوم الجمركية بمثابة إعلان لاستقلال الولايات المتحدة اقتصادياً. بما معناه تعزيز الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. مما سينشط العجلة الاقتصادية من خلال دفع الاقتصاد نحو الاعتماد على الذات، وتشجيع الصناعة المحلية الاميركية دون تعريضها للمنافسة الخارجية، علاوة على ذلك زيادة فرص العمل للشعب الاميركي. اما من جهة ترامب فبرر أفعاله قائلا: " أنا فخور بأن أكون الرئيس للعمال، وليس لمقاولي الخارج، الرئيس الذي يقف مع الطبقة العاملة، وليس مع وول ستريت، والذي يحمي الطبقة الوسطى، وليس الطبقة السياسية، والذي يدافع عن أميركا، وليس عن الغشاشين التجاريين في جميع أنحاء العالم”. هل سينجح مخططه نتيجة لهذه الزيادات الجمركية؟ الا انها بدأت تنعكس سلباً على اميركا، حيث تكبدت الشركات الأمريكية خسائر هائلة ما يوازي أكثر من 2 تريليون دولار مع تهاوى الأسهم. اضافة الى أثرياء العالم الذين فقدوا 208 مليارات دولار. كما ظهرت حالة من التوتر والاضطراب سادت العالم. عندها صدر القرار المفاجئ من ترامب بالتراجع عن خطته الشاملة للرسوم الجمركية وتجميدها. هل استشعر بحلول كارثة تجارية؟؟ لاسيما ان الصين تصعّد وصندوق النقد يحذّر من مخاطر كبرى على الاقتصاد العالمي. هل سيتراجع ترامب عن هذه الزيادة الجمركية بعد ان تواصلت الدول للتفاوض معه؟؟ هل سينجح ترامب كما ادعى انه سيجني 700 مليار دولار سنويا من الرسوم الجمركية؟؟ الملياردير ترامب الذي يعتبر من أنجح رجال الاعمال عالمياً هل سينجح كرئيساً فيما يخطط ويصبو اليه للولايات المتحدة؟؟ هل سيحقق المجد والتوسع لاميركا العظمى والسيطرة على دول العالم؟؟ الأيام كفيلة بإظهار النتيجة!!
|