المطران طربيه بمناسبة الاستقلال: "...المناسبة هذه السنة، ولسنواتٍ سابقة، تأتي وفي العينين دموع، وفي القلب غصةٌ كبيرة،...





كلمة سيادة المطران أنطوان-شربل طربيه
راعي أبرشية أستراليا، نيوزيلاندا وأوقيانيا
بمناسبة عيد استقلال لبنان – 22 تشرين الثاني 2022
أخي صاحب السيادة المطران روبير ربّاط، 
حضرة النائب العام المونسنيور مارسلينو يوسف، 
الآباء الكهنة الأجلاء، والأخوات الراهبات الفاضلات، 
إخوتي وأخواتي الأحباء،
أرحبُ بكم جميعاً في كابيلا القديس مارون، هنا في بيت مارون، بلقاءٍ نقومُ به لأول مرّة في هذه المناسبة، ذكرى استقلالِ لبنان التاسعة والسبعين.  والكلُّ يعلم أننا لا نلتقي لنحتفلَ بل لنصلّي من أجل لبنانَ الجريح في سيادتِه واستقلالِه، ومن أجل شعبِه المتألم من تفاقمِ الظلمِ والفساد وفشلِ الدولة ومؤسساتِها بالقيامِ بدورها. 
 تُطِلُّ علينا ذكرى الاستقلالِ ككلِّ سنة، لنقفَ ونتذكرَ تضحياتِ رجالاتِ الاستقلال والشهداء الذين قدّموا ذواتَهم بسخاء على مذبحِ الوطن ليكونَ سيداً حراً مستقلاً، ولنردّدَ بفخر "كلنا للوطن للعلى للعلم". لكنَّ المناسبة هذه السنة، ولسنواتٍ سابقة، تأتي وفي العينين دموع، وفي القلب غصةٌ كبيرة، لأنَّ الوطنَ الغالي أصبح مثخناً بجراح الأنانيّة وعقليةِ المحاصصة وطمعِ الفاسدين، مما أدى إلى غيابِ الشعورِ بالاستقلال ومعانيه عند اللبنانيين، مقيمينَ ومنتشرين. 
 يقول صاحبُ الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكليّ الطوبى: "وكأنَّ اللبنانيّين يَخجلون من أنفسِهم ويُدركون أنهم نالوا استقلالهَم سنةَ 1943 لكنّهم لم يحافظوا عليه، وتَناوبَ عليهم من يومِها إلى الآن أكثرُ من احتلالٍ ووصاية. تأتي ذكرى الاستقلال هذه السنة شاغرة وفارغة هي أيضًا من معانيها وأبعادِها. إذ ليس الاستقلال أنْ يخرج الأجنبيُّ من لبنان بل أن يدخل اللبنانيّون إلى لبنان. والحالُ أنّنا نرى فئاتٍ لبنانيّةً تَستجدي الوصايةَ وتَتسوّلُ الاحتلال وتشحذُ التبعيّة". 
وأضاف في عظة الأحد: "لذلك، حذارِ الاستخفافَ باختيارِ رئيسِ الجُمهوريّةِ المقبِل. نحن ننتخب رئيسًا لاستعادةِ الاستقلال. فأيُّ خيارٍ جيّدٍ يُنقذُ لبنانَ، وأيُّ خيار سيّء يُدهورُه. إنَّ قيمةَ الإنسانِ أن يُقيِّمَ المسؤوليّةَ الـمُناطةَ به، فلا يجازفُ بها ولا يساوم عليها. لذلك نناشد النوّاب ألّا يَقعوا من جهةٍ ضحيّةَ الغِشِّ والتضليلِ والتسوياتِ والوعودِ الانتخابيّةِ العابرة، ومن جهةٍ أخرى فريسة السطوة والتهديد والوعيد. ونحن أصلًا شعبٌ لا يَخضعُ لأيِّ تهديدٍ، ورئيسُ لبنان لا يُنتخَبُ بالتهديدِ والفَرْض".(انتهى كلام غبطة البطريرك)
في لقائِنا اليوم نضمُّ صوتَنا إلى صوت غبطتِهِ ونصلّي من أجل انتخابِ رئيسٍ للجمهورية وبأسرع وقت، رئيسٍ قادرٍ على إنقاذ لبنان مما يتخبّط به من أزماتٍ خانقة على كل المستويات. وموضوعُ إعلان حياد لبنان لم يعد حاجةً ملحةً فحسب، بل أصبح ضرورةً أيضاً لإخراجِ لبنان من المحاورِ التي أضَرّت به وغيّرت نظامَه وهُويّتَه، ومن العزلةِ التي بات يعيشُ فيها.  كما نتوجّهُ إلى الحكومة الأسترالية بالعمل مع الدول الصديقة على تنظيم مؤتمرٍ دولي لمساعدة لبنان وشعبِهِ ولدعم الجيشِ اللبناني. وما عسانا في هذه المناسبة إلّا أن نرفعَ صلاةَ شكرٍ للقوى الأمنية في لبنان على ما تقوم به رغم الظروفِ القاهرة لثبيتِ الأمن والحفاظِ على سلامة المواطن. ونخصُّ بالصلاة قيادةَ الجيش اللبناني، العينُ الساهرة واليدُ الفاعلة والقلبُ النابض في لبنان.     
نقرأ في مقدّمةِ الدستور اللبناني: "لا شرعيّة لسلطة تناقض الذي هو العيش معًا مسيحيين ومسلمين بالاحترام المتبادل، وضمانة عقيدة كل دين وممارساته وتقاليده، والمشاركة المتوازنة في الحقوق والواجبات، وفي حكم البلاد وادارة الدولة". 
من هنا نفهم أن العيشَ معاً بين المسلمين والمسيحيين في لبنان قائمٌ على ثلاثةِ أمور: حوارُ الحياة، وحوارُ الثقافة، وحوارُ المصير. هذا العيشُ المشترك في لبنان يتعثّرُ حاليًا لأن قاعدة " لبنان وطنٌ نهائي لجميع أبنائه" لا يُقرّ بها، وبكل أسف، بعضُ المسؤولين اللبنانيين. 
لكنَّ الجاليةَ اللبنانية في أستراليا، ويجتمع هنا في هذا المساء نموذجٌ منها، لم ولن نتخلّى عن وطننا الأم مهما غلت التضحيات، لم ولن نتخلّى عن العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين والدروز، لم ولن نستسلم لليأس، ولن نقطع الرجاء لأننا أبناءُ وبناتُ الرجاء، وكلّنا ثقة بأن قيامةَ لبنان قريبة، وأن انتفاضةَ أبنائهِ وبناتهِ المخلصين على الظلم والفساد ستُثمر، إن شاءَ الله.   
وفي الختام وإني في هذه المناسبة، ذكرى الاستقلال، أرفع صلاتي إلى العذراء مريم قائلاً:
حبُّك يا مريم غايةُ المنى
يا أمَّ المعظّم كوني أمَّنا
لبنان لبنان لك يا مريم.