بالنظام - الاحتجاز الكبير





بالنظام

الاحتجاز الكبير

زياد شبيب / "النهار"

١٢-٨-٢٠٢٢

جريمة احتجاز رهائن في المصرف وتهديد حياتهم لا يجوز تبريرها، ولكن يمكن تفسيرها في السياق الذي حصلت فيه. فالاحتجاز كفعل جرمي هو حال الشعب اللبناني منذ سنوات.

هو جرم مستمر ومتمادٍ في الزمن في مرحلة الانهيار المالي المصرفي الحالي، وقد مارسه القيمون على المصارف كما مارسه المسؤولون في الدولة. المصارف لم تحتجز #أموال المودعين فقط بل احتجزت حياتهم ومستقبل أولادهم عندما قررت انتهاج سياسة الضغط القصوى على الجميع من مسؤولين سياسيين وشعب لبناني لأجل إنقاذ بعض كبار المصرفيين من تحمّل جزء من المسؤولية المالية. والدولة، أو المسؤولون الممسكون بالقرار فيها على تناقضهم، احتجزت المواطنين وحياتهم واستسهلت القضاء على مستقبلهم ومستقبل أولادهم عبر الخطط المقترحة "للتعافي" والتي تقوم على الانقضاض على الودائع واقتراح اقتطاعها وتصفيتها من خلال تحويلها إلى أسهم في المصارف أو في الصناديق الوهمية المقترح إنشاؤها.

رغم ذلك لا يزال النقاش العام في موضوع الانهيار المالي المصرفي المستمر مفتقداً إلى المقاربة العلمية السليمة المطلوبة والضرورية والتي من شأنها بداية وبشكل أساسي إعطاء التوصيف أو التشخيص الصحيح للمشكلة، الذي على أساسه يمكن أن يوصف العلاج المناسب، على أن من بديهيات اعتبار الدواء مناسباً هي ألّا تكون له أعراض جانبية من شأنها قتل المريض.

غياب المقاربة السليمة يستمر مع استمرار غياب القرار الخارجي بإنقاذ لبنان وحين يصدر قرار مماثل تبدأ الحلول الجدية، وكل ما يحصل هنا في الوقت الضائع هو في الواقع مجرد تحصين للمواقع. والفرقاء الداخليون يعلمون ذلك يقيناً ويتصرفون على هذا الأساس. فالمصارف تضامنت رغم اختلاف أوضاعها المالية والفروقات في ما بينها لناحية الملاءة ودرجة التورط في التوظيفات العالية المخاطر، ومعلوم أن العدد الأكبر منها بإمكانه الآن وفوراً العودة إلى ممارسة العمل المصرفي العادي بشكل شبه طبيعي أي العودة إلى معاملة المودعين بالحد المطلوب لاستعادة ثقتهم عبر تمكينهم من الحصول على حاجاتهم بمبالغ بالدولار تناسب أحجام ودائعهم.

لكن التضامن المصرفي أمّن لهم جميعاً فرصة تاريخية بتحقيق أرباح خيالية عبر اقتطاع نسب خيالية من مبالغ الودائع من خلال آليات أعمالهم المتبعة منذ بداية الانهيار والتي قامت على بدعة "اللولار" وتنوعت أساليب تنفيذها بين سحب ودائعهم بالدولار، بالليرة على أسعار قطع أقل بكثير من السعر الحقيقي أو عبر قبولهم بسحب نسب ضئيلة بالدولار النقدي من أصل قيمة تلك الودائع وازدهرت سوق استبدال الشيكات بالدولار النقدي وبعض المصارف مارسها مباشرة ومن دون خجل أو عبر وسطاء.

حلقة المديونية التي تربط المودعين بالمصارف بالمصرف المركزي وتنتهي بالدولة، التي يقع عليها عبء التسديد النهائي، يجب ألّا تنقلب ليصبح عبء التسديد على عاتق المودعين من خلال الظن أو التوهم بأنهم الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، لأنهم في الحقيقة الحلقة الأقوى التي تمثل الحق الثابت قانوناً، رغم خضوع العديد من المودعين للابتزاز من مختطفيهم وتخلّيهم عن أجزاء من حقوقهم. وعلى أساس هذا التوصيف فقط يجب أن توضع خطط التعافي والنهوض.

بإمكان المسؤولين المصرفيين اعتماد سياسة مختلفة، والبدء فوراً باستعادة ثقة غالبية المودعين عبر معاملتهم معاملة أخلاقية والتخلي عن بدعة "اللولار" والاعتراف بعدم تبدد الودائع لأنها ببساطة لم تتبدد بل ما تزال حقيقة قانونية ثابتة لن يتمكنوا من التخلص منها.

افتحوا أذهانكم وصناديق مصارفكم فهكذا تتحولون من موقع الاتهام والملاحقة القانونية والجسدية، إذ تكسبون مجدداً ثقة المودعين، وتتخلصون من وابل الدعاوى والتوقيفات وتصفيات الحسابات.