الراعي: «كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب» (متى 12: 25).





الراعي نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، فنصلّي لكي يجمع المسيح الإله بقوّة نعمته جميع الناس، وبخاصّة المسؤولين المدنيّين والسياسيّين في لبنان والشعب اللبنانيّ

الديمان، الأحد 7 أغسطس، 2022

ندّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في خلال ترؤسه الذبيحة الإلهيّة صباح اليوم في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان، بالانقسامات السياسيّة في لبنان، رافضًا التأخير في تشكيل الحكومة، ومعربًا عن حزنه لسقوط الضحايا في غزّة.

وجاء في عظة الراعي ما يلي:

«كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب» (متى 12: 25).

1.جاء المسيح الإله ليجمع البشر إلى واحد، بكلمته وموته وقيامته لكن الشيطان والأرواح الشريرة تعمل في داخل الإنسان بروح التفرقة والنزاعات، وسلّم المسيح الربّ الكنيسة سلطان شفاء الأجساد من المرض، والنفوس من الأرواح الشريرة وإغواءات الشيطان. وبهذه الرسالة تجمع الكنيسة الناس في شركة ومحبّة حول المسيح الفادي والمخلّص الذي أسقط كلّ جدران التفرقة، وجمع ما بين البعيدين والقريبين (راجع أفسس 2: 17). وحذّرنا قائلًا: «كلّ مملكة تنقسم على نفسها تخرب» (متى 12: 25).

2.يسعدني أن أحيّيكم جميعًا، ونحن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، فنصلّي لكي يجمع المسيح الإله بقوّة نعمته جميع الناس، وبخاصّة المسؤولين المدنيّين والسياسيّين في لبنان والشعب اللبنانيّ، بروح الوحدة ورباط المحبّة، ونور الحقيقة، وشفافيّة العدالة. إنّ حالة الانقسامات والتفرقة والكيديّة والإساءات والبغض التي أوصلنا إليها بعض السياسيّين والمسؤولين لا يمكن أن تُطاق لأنّها تحقّق قول الربّ في إنجيل اليوم: «كلّ مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وكلّ مدينة أو بيت ينقسم على نفسه لا يثبت» (متى 12: 25).

ونوجّه تحيّةً خاصّة إلى «مؤسّسة فرسان الأرز» وإلى مؤسّسها ومرشدها عزيزنا الأب فادي تابت. ونثني على التزامها في تعزيز الوعي الوطنيّ والإلتزام في خدمة المجتمع اللبنانيّ. قام أعضاؤها في هذه الأيّام الثلاثة الأخيرة برياضة روحيّة ودورة تنشئة. وهم يؤمّنون اليوم خدمة القدّاس الإلهيّ.

في هذا الوقت، تعتصر قلوبنا على الضحايا الذين يسقطون في قطاع غزة، ومن بينهم أطفال أمهات. وإذ نشجب أعمال العنف التدميري، ندعو إلى وقف هذا المسلسل المتجدّد من دون أن يؤدّي إلى تراجع الشعب الفلسطيني عن المطالبة بأبسط حقوقه، بل يؤدّي إلى عرقلة المفاوضات بين الطرفَيْن.

3.إن ذاك الرجل الذي مسّته الأرواح الشريرة وجعلته أعمى وأخرس، وشفاه يسوع، تأكيد على وجود الشيطان والأرواح الشريرة، وتأكيد بخاصة على أن المسيح الفادي انتصر عليها وحدّ من سلطانها. يقول الربّ يسوع عن الشيطان إنه «كذاب وأبو الكذب» (يو 8: 44). ويسمّيه يوحنا الرسول في رؤياه بأنه «الحيّة القديمة المسمّاة إبليس، مضلّ المسكونة بأسرها» (رؤيا 12: 9).

إنه بالغشّ والكذب وروح الكبرياء يستميل الناس إلى التنكّر لشريعة الله وتعليم الإنجيل والكنيسة.

الشيطان يعاكس بناء ملكوت الله على الأرض، لكنه لا يستطيع تعطيله. يعمل في العالم ببغض لله ولنشر ملكوته. بحيله وأكاذيبه يتسبّب للإنسان وللمجتمع بأضرار خطيرة روحيّة وحسيّة. والله يسمح بذلك، لكنه «يعمل لخير كل الذين يحبّونه» (روم 8: 28) (التعليم المسيحي، 395).

4.يعلن الربّ يسوع أنه جاء إلى العالم ليجمع أبناء الله وبناته إلى واحد. أمّا الشيطان، فيبدّد. هذا ما يعنيه اسمه «إبليس» أي الذي يقطع خطّ التواصل، ويحوّل مجراه نحو ارتكاب الخطيئة والشرّ بغشّ وإغواء ووعود كاذبة.

الرسالة المسيحيّة هي المسعى إلى الجمع، إلى الوحدة، إلى الشركة. كل مسعى إلى الخلافات والانقسامات والعداوات خروج عن المسيحيّة، وعداوة للمسيح. فكلامه في إنجيل اليوم واضح وصريح: «من لا يجمع معي فهو يبدّد» (متى 12: 30).

إن السبيل إلى الوحدة والشركة يرتكز على الحقيقة التي تحرِّر وتجمع، وعلى العدالة التي تعطي كلّ شخص حقّه، وعلى المحبّة التي تدفع من الداخل كرغبة وتصميم وتوق إلى بناء الوحدة والشركة.

5.أليس انقسام السلطة السياسيّة في لبنان، وانشطار الأحزاب عموديًّا وأفقيًّا، هما في أساس الانحلال السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعيشي؟ وهكذا صدق كلام الربّ يسوع بحرفيّته وبكلّ أبعاده.

إنّ جرحًا بليغًا يصيبنا في الصميم، وكل الشعب اللبناني، فيما نشهد بألم وغضب اندلاع حملات إعلاميّة قبيحة بين مرجعيّات وقوى سياسيّة مختلفة في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى الهدوء والتعاون. فإنَّ من شأن هذه الحملات أن تخلق أجواءً متوتّرة تؤثّر سلبًا على نفسيّة المواطنين الصامدين رغم الصعوبات، وعلى الاستقرار والاقتصاد والمال والإصلاحات، وعلى الاستحقاقَيْن الدستوريَيْن: تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة في المهلة الدستوريّة.

لو كانت النيّات سليمة وصادقة لكان بالإمكان معالجة أيّ خلاف سياسي بالحوار الأخلاقي وبالحكمة وبروح بنّاءة، بعيدًا عن التجريح والإساءات الشخصيّة. لكن ما نلمسه هو أن الهدف من هذه الحملات هو طيّ مشروع تشكيل الحكومة والالتفاف على إجراء الانتخابات الرئاسيّة بفذلكات دستوريّة وقانونيّة لا تُحمد عقباها. لكن اللبنانيين ذوي الإرادة الحسنة، والمجتمعَيْن العربيّ والدوليّ مصمّمون على مواجهة هذه المحاولات الهدّامة وتأمين حصول انتخاب رئيس جديد بمستوى التحدّيات ومشروع الإنقاذ.

ومع إدراكنا كل الصعوبات المحيطة بعمليّة تشكيل حكومة جديدة، فهذه الصعوبات يجب أن تكون حافزًا يدفع بالرئيس الـمكلّف إلى تجديد مساعيه لتأليف حكومة ووضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم الوطنيّة شرط أن تكون التشكيلة الجديدة وطنيّة وجامعة ومتوازنة. لا يجوز التذرّع بالصعوبات لكي توضع ورقة التكليف في خزانة المحفوظات، وتُطفئ محرّكات التشكيل وتُترك البلاد أمام المجهول.