أستراليا: السفارة والاذاعة





أستراليا: السفارة والاذاعة

الاسبوع الماضي انعقد في سدني مجلس حزب الأحرار الفيدرالي في مؤتمره السنوي الذي حضره  110 مندوباً، وقد مرر الجناح المحافظ في الحزب قراران ملفتان للنظر.

القرار الاول يطالب بنقل السفارة الأسترالية من تل أبيب الى القدس، وقطع جميع المساعدات عن السلطة الفلسطينية ما لم تغلق  "صندوق عوائل الشهداء".

 القرار الثاني يتعلق بخصخصة المؤسسة الأعلامية الممولة من الدولة أي بي سي. اقر المشروع الأول بأكثرية 43 صوتاً مع مقابل 37 ضد، وأَقر المشروع الثاني بنسبة ثلثي الأصوات.

التصويت غير ملزم للحكومة، ولكن ما حصل له عدة أبعاد، ومؤشر لما سيكون عليه الوضع إذا ما استطاع الجناح المحافظ السيطرة على قرار الحزب، خصوصاً ان الاستباك السياسي على أشده بين جناح الليبراليين والجناح المحافظ للسيطرة على قرار الحزب منذ الانقلاب على طوني أبوت عام 2015 من قبل مالكوم تيرنبول.

وزيرة الخارجية جوليا بيشوب عارضت مشروع نقل السفارة الى القدس، معتبرة ان مسالة القدس تعود الى الحل النهائي  رغم مواقفها المؤيدة لإسرائيل في المحافل الدولية، وكان آخرها التصويت ضد إقامة لجنة تحقيق دولية في الاعتداءات الاسرائيلية على المواطنين العزل في غزة، حيث كانت أستراليا الدولة الوحيدة التي عارضت القرار الى جانب الولايات المتحدة الأميركية، وقالت بيشوب ان أستراليا لا تزال تلتزم حل الدولتين لحل النزاع العربي ألأسرائيلي، وانها تدرك المشاعر التي تقف وراء الحراك الحزبي!

بالنسبة الى القرار الثاني والمتعلق بخصخصة مؤسسة أي بي سي الاعلامية، لقي معارضة وزير الأتصالات ميتش فيثفيلد، ومن جهته أعلن رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول التزام حكومته بعدم خصخصة المؤسسة،  والجدير ذكره أن الحكومة كانت قد أقتطعت مبلغ 83 مليون دولار من ميزانية المؤسسة إبتدءاً من عام 2019.

المعارضة الفيدرالية حاولت تمرير مشروع قرار لعدم خصخصخة المؤسسة، وإعادة الأموال التي اقتطعت من ميزانيتها، وقالت زعيمة العمال في مجلس الشيوخ  بيني وونغ بأنه لا يمكن الوثوق بحزب الاحرار لحماية الأي بي سي، مذكرة بما بانقلاب طوني أبوت عام 2013 على تعهداته بعدم بالأقتطاع من ميزانية المؤسسة،.واعتبر زعيم المعارضة بيل شورتن  ان الأي بي سي هي ملك للشعب الأسترالي الذي يمولها وليست ملك لحزب الأحرار. ويجب الاشارة الى ان رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول كان قد تعهد لزعيمة حزب أمة واحدة اليميني المتطرف بولين هانسون بالتحقيق في حيادية أي بي سي من أجل الحصول على دعمها في تعديل قوانين ملكية الاعلام.

زعيم الحزب الوطني ونائب رئيس الوزراء في حكومة ألائتلاف (أحرار- وطني) مايكل ماكورمك قال إن حزبه يعارض خصخصة ألأي بي سي لأهميتها للمناطق الريفية في البلاد.

لكن الرد الاعنف جاء من المديرة التنفيذية للمؤسسة ميشال كوثري التي قالت ان المؤسسة تساوي أكثر من مليار دولار بالنسبة الى ألأقتصاد الأسترالي، وتؤمن للخزينة من الاموال أكثر مما ينفق عليها، وانتقدت كوثري معارضي المؤسسة من القطاع الاعلامي الخاص، او الذين يعارضون المؤسسة على أسس إيديولوجية والذين يعتبرونها "كيس التمرن على اللكم"، وقالت ان المؤسسة تؤمن 6000 وظيفة بدوام كامل من العاملين في المؤسسة أو من المؤسسات الخاصة الرديفة التي تتعاون في أنتاج برامج المؤسسة. وختمت قائلة انها فخورة بهذه المؤسسة وبالخدمات التي تقدمها لاستراليا وعن تاريخها وأسلوب العيش في البلاد متسائلة عما إذا كان الشعب الاسترالي بحاجة الى مؤسسة إعلامية خاصة جديدة تتنازل عن الجودة والابتكار من أجل الربح؟( فايننشل ريفيو 20/6/2018 ص 6)

وكانت كوثري سخرت من الذين يهاجمون الأي بي سي قائلة ان المتابعين لمقدمة برنامج تقرير7.30 ليز سيلز على تويتر أكثر من قراء جريدة الاستراليان التي تنتقد المؤسسة وتنافسها، وتنتقد من يقول بأن المؤسسة تخدم الاتجاهات اليسارية فقط. وكانت الاستراليان اعتذرت عن تعليق نشرته على موقعها دعت فيه الى أحراق مباني اي بي سي (سدني مورننغ هيرالد 23/6/2018 ص2)،

إذن، نحن على مفترق تطرق جديد بالنسبة لقضايا حساسة تتعلق بمستقبل البلاد وسياساتها الداخلية والخارجية، إذا ما سيطر المعجبون بظاهرة ترامب أو بريكزت او السياسات الشعبوية التي بدأت تطل في رأسها في اكثر من مكان في العالم، والتي كان أخرها الحكومة ألأئتلافية الايطالية التي جمعت أقصى اليمين مع أقصى اليسار.

 لذلك نرى ان من الواجب المحافظة على مؤسسة الأي بي سي، وعدم خصخصتها لانها تقدم تغطية متوازنة بالاضافة الى المهنية والبرامج والتحقيقات الصحافية التي ما كانت لترى النور لولا وجود هذه المؤسسة.

وما يعزز هذه المخاوف التصريح الذي أدلى به المدير السابق لأي بي سي ديفد هيل، الذي قال ان الخطر المحدق بالمؤسسة هو الاخطر منذ أكثر من 50عاماً، ودعى المؤسسة الى عدم الاخذ بالوعود الاعلامية  من رئيس الوزراء، ودعى الى مراسلته والطلب منه ان يقدم ضمانات رسمية وخطية بعدم خصخصة الاي بي سي أذا ما فاز في الانتخابات القادمة.

وقال ان ما حصل في حزب الاحرار جاء من الهيئة التنفيذية الوطنية للحزب، وليس من فرع منطقة وهنا تكمن جدية المسالة.( سدني مورننغ هيرالد 23 /6/2018 ص 2)

وحسب نفس الصحيفة اعتبر محرر الشؤون السياسية السابق في أي بي سي كريس أولمن، والذي يعمل حالياً محررا للشؤون السياسية في القناة التاسعة:" أن الجهاد الذي تخوضه الحكومة ضد مؤسسة أي بي سي لا أرضية له".

ولاحظت الاعلامية من أي بي سي آنابل كراب ان هناك ازدياد في الأنتقادات الشخصية او التعليقات، سواء على وسائل التواصل ألأجتماعي او في وسائل الاعلام الاخرى.

والملفت للنظر في هذا الخصوص ان رئيس الوزراء ووزير الاتصالات ميتش فيثفيلد كانا قد قدما شكاوى للمؤسسة بحق كل من الاعلاميين العاملين في أي بي سي أما آلبريتشي، لورا تنكل، باري كاسدي وأندرو بروبن ، نشير أيضا الى انه لم يتكلم أحد ضد مشروع قرار الخصخصة أثناء الاجتماع الحزبي.

أخيراً، قد تكون الخطوة التي اتخذها المجلس التنفيذي لحزب الأحرار عملية جس نبض لتحولات سياسية قادمة، ينوي الحزب الإقدام عليها، والتحول السياسي سواء في ما يتعلق بقضية فلسطين والقدس او السياسات الداخلية، خصوصاً واننا على ابواب الانتخابات الفيدرالية التي قد يدعو اليها رئيس الوزراء أي وقت إبتداءً من شهر آب القادم.

وكما يقال ان غداً لناظره لقريب.

عباس علي مراد

Email:[email protected]