شهداء الوطن: ما إن فارقوا الأرض حتى تغلغلوا في الوجدان





شهداء الوطن: ما إن فارقوا الأرض حتى تغلغلوا في الوجدان  

تشغل البال هموم الوطن المتناسخة ويقيم في وجداننا أطياف شهدائه الأبرار نضمّها بحنان فتذخّر بإستمرار توقنا للدفاع عن حريّتنا وسيادتنا وإستقلالنا وعزّتنا.

حماية القضايا الوطنية الكبرى تجشّم بذل أرواح عزيزة فقدانُها مضنٍ لكن حضور أطيافها لا يبارح الوجدان.

الموت ليس معبراً إلزامياً إلى الحياة إلاّ إستثنائيّاً حين يبني جسراً أو يحفر نفقاً ينفذ إلى حياة وطنية حرّة.

لكن لا يسترخصنّ أحد الحياة ويروّجنّ الموت كنمط وجود وأداة تهويل ليستعبد الناس ويثبّت سلطانه.

مراودة ومناجاة أرواح أحبّائنا، فداة كرامتنا ومجد الوطن من انتهاكات وكيد الطامعين والحاسدين، تجذب أوتار مشاعرنا وتشوّقنا للإحتفال بذكراهم.

مرتبة الشهادة تتبوأ ذروة الوقار والإكرام في ضمير الأمّة ويستوي فيها كلّ الشهداء سواسية.

إحياء ذكريات استشهاد شخصيات بارزة لعبت أدواراً مفصلية في حياة الوطن لا يعني إغفالاً   يكسف توهّج  تضحيات أشقّائهم بل يرمز إلى جلال تفانيهم أجمعين.

عيد العشق (14 شباط) سنة 2005 اشرأب شغف التوحّش من أقبية الإجرام استجابة لإصدار أمر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وما ضاهى عصف الإنفجار الآثم إلاّ غضب اللبنانيين الذين إنطلقوا في مسيرة "ثورة الأرز" لرفع نير الظلم عن كاهلهم وقذف جحافله خارج الحدود.

لقد أحبّوه وقدّروه لريع خدماته البارّة تجاه وطنه وشعبه فيما ترصّده وكمن له ولمشروع إنهاض الوطن الحاقدون الحاسدون المستبدّون.

غمر الرفيق بعطفه وعنايته وسخائه الناس، فإستحقّ محبّتهم وثقتهم وكسب حظوة عند ربّه.

بذل جهوداً خارقة وحقّق نجاحاً باهراً فشمخ بإنجازاته وتواضع بعلاقاته.

إكتشف لذّة عارمة بزرع البذار الطيّبة فكان الإنتاج خصيباً وحصاد غلّال الخير وفيراً.

محبّته لوطنه وسعيه الدؤوب لإحلال السلام فيه ولإشباع طموح طلاّب العلم من أبنائه تلاقحت بمتعة إنجاز المشاريع العمرانية فإختلجت في وجدان رفيق الحريري نشوة تحقيق حلم إعادة بناء لبنان بشراً وحجراً ومؤسسات.

كرّس الرئيس الشهيد طاقاته وإمكاناته وعلاقاته لإحياء صيغة ودور لبنان كدولة سيدة حرة مستقلة وحاضرة عمرانية رائعة تليق بعزة وطموح أبنائها فكان فرحه عظيماً بتحقيق مراحل متتابعة من الأحلام واقعاً.

بإغتياله و كوكبة شهداء "ثورة الأرز" معه أراد الطغاة الإنقضاض على عصب الإباء و تثبيط عزائم الأحرار وتفكيك جسرهم البشري المكين.

إستلّ الجلاّدون سيف البطش ليشهد من تسوّل له نفسه التمرد كيف "تُقطف" رؤوس المتمردين والعاصين عليهم.

لكن حمم غضب الحريصين على الوطن ومحبّي الشهيد جمدت الدم في عروق السيّافين.

إذ أنّ التلاصق المتعدّد الأطياف المترامي الأطراف شكّل جسر الخلاص الذي تنكّب الوطن وإنتشله من براثن وأنياب الوحوش ليعيد اليه منابع الحرية والعزة المغتصبة بعد معاناة اختناق، وليطبّق سيادة الدستور والقوانين بعد طول تشويه وليقوّم سياق العدالة الشاملة بعد حرفها عن مسارها.

ذهول وارتباك ألمّا بقطّاع الرؤوس أمام مهابة موكب الإستقلال الوطني الحاشد الذي إنطلق في 14 آذار.

فهو مكمّل لصورة قوافل الشهداء التي افتدتنا في محطّات النضال الوطني عبر تاريخنا الحافل بإنجازات عظيمة داهمتها كبوات شوّهت رونقها.

مؤسف حدوث إنتكاسات بعد جسامة التضحيات النفيسة المبذولة لبناء الدولة بسبب تألب "حرّاس ثورة" هبطت بكلّ "تجهيزاتها" على لبنان والمنطقة لتقيم دويلة قارضة لسلطات الدولة ويبدأ تضييق الحصارعلى حريّة التفكير والرأي واستهلاك الأرواح من خلال "جلاميد نظريّات" دفقتها علينا "قرائح خبراء" الثورة  "الميمونة" فصادرت إرادة أنصارها وخدّرت أذهانهم وأزهقت كلّ اعتراض.

هذا النهج الإستبدادي الجامح نحو التحكّم بكلّ أوجه الحياة الوطنيّة تجاوز نطاق الأتباع ليشمل "حلفاء" سِيقوا بالترهيب والترغيب والكيد وخلل التوازن وتلبّد الضباب حول الصواب ليشكّلوا غطاءً يموّه الطابع الفئويّ ثمّ ليستكمل حلقات الهيمنة بمحاولة فرض طقوسه على كلّ أبناء الوطن.

لقد بلغ هذا الإنتهاك حداً خطيراً بات يهدد الكيان ويمهّد للغور بالوطن من جديد في غياهب عهد الطغيان الذي جدّد معه "أركان الثورة" عقد الشراكة العضويّة.

معمودية الشهادة وتشابك مشاعر العزّة والحرص على نقاوة وتجلّي صيغة لبنان الحضارية يحتّم جدْل عزائم وجهود المؤمنين بتميّز وريادة هذا الوطن.

اللبنانيّون المتنوّرون متيقّظون للمكائد التي تحاك لإغتيال وطنهم و للإنقضاض على إنجازات القوى السيادية وإغتصاب ودائع قافلة شهداء الإستقلال المنتشل من براثن الوحوش.

لذا حفاظاً على تراثنا العريق المجبول بإكسير التضحيات والمضمّخ بالعزة و الكرامة والحرية وتحفيزاً لإزدهار مستقبلنا وأمانةً لتطلعاتنا ووفاءً لتوصيات شهدائنا الأبرار، لنشبك السواعد ونقف صفاً واحداً وسدا منيعاً لإسقاط تعديات الردة الرجعية ولنواكب مسار المحكمة الدولية للقبض على رؤوس شبكة الإجرام لننعم بالأمان.

لنستلهم مناقب وخصال الشهداء النبيلة لننقّي ضمائرنا، ولنستمدّ عوامل القوة وأسرار النجاح من مزاياهم ونقتدي بمبادراتهم الناجحة وأعمالهم الخيّرة.

حقق رفيق الحريري إنجازات عظيمة ونجاحاً باهراً في حياته فاستحق التقدير وربح قلوب الناس.

أما في استشهاده فحقق أروع وأثمن الإنجازات وهي إنبعاث الوحدة الوطنية في سبيل خلاص الوطن.

أليس بإنجاز جليل كهذا يدخل العظماء التاريخ ويُخلّدوا؟

حميد عوّاد: مربوط ب"حبل السُّرّة" إلى الوطن ومنذور لمحبّته ورفع شأنه ومواظب على مواكبة مسيرة تعافيه*