فعلها الرئيس المكلف وهو بدلاً من أن "يكحلها عماها"





حبيب البستاني*

حكومة تصريف أعمال أم تجميد اشغال؟

فعلها الرئيس المكلف وهو بدلاً من أن "يكحلها عماها"، ففي توقيت مشبوه وفي حمأة التأليف بعد التكليف والذي مضى عليه شهراً ونصف الشهر، وبدلاً من السعي إلى تقديم تشكيلة حكومية بالتوافق مع فخامة الرئيس، ها هو رئيس حكومة تصريف الأعمال يفتح النار على التيار الوطني الحر ورئيسه مطلقاً باتجاهه شتى النعوت متوافقاً عن قصد أو عن غير قصد مع هجوم رئيس القوات على الوزير باسيل وموجهاً إليه سهام الفساد، والإثنان يعلمان في قرارة نفسيهما انه من الممكن نعت الوزير باسيل بشتى النعوت إلا بتهمة الفساد التي لم يستطع تبيانها أي من خصومه التقليديين والمستجدين، الذين ابدوا حماوة بالغة في الهجوم كونهم طامعين أو طامحين للرئاسة ونحن على قاب قوسين أو أدنى منها.

إلى ماذا يرمي الرئيس المكلف؟

من الواضح أن الرئيس المكلف ينوي من خلال هجومه على التيار الوطني الحر ليس فقط نسف أي إمكانية لولادة تشكيلة حكومية، بل إنه ذهب إلى حد نسف الجسور مع العهد، فالرئيس المكلف يعلم تماماً أن الوزير باسيل هو رئيس أكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي وهو بالتالي صاحب التمثيل الأكبر في بيئته وفي البيئة الوطنية وهو لهذا يحظى باحترام رئيس الجمهورية، وإن محاولة إسقاط الوزير باسيل الفاشلة في الانتخابات كان تهيئة لطي ذراع العهد وإسقاطه بالضربة القاضية، فهل يريد رئيس حكومة تصريف الأعمال طي ذراع العهد وتحقيق ما عجزت عنه سلطة المال والإغراء والتهديد من تحقيقه في الانتخابات؟

ربما قد سهى عن بال الرئيس المكلف أنه ومن خلال هجومه على التيار ونسف الجسور مع العهد إنما هو يقوم بنسف ما تبقى من آمال اللبنانيين بولادة حكومة قادرة، ولو للفترة الباقية من عمر العهد، وتحقيق ما يصبون إليه من حلول لمشاكلهم الاقتصادية والمالية ووضع سلة الإصلاحات موضع التنفيذ. إن الناس تنتظر الفرج وتنتظر بصيص النور في آخر النفق، وهي ترى بعين التفاؤل ما قام بتحقيقه فخامة رئيس الجمهورية في ملف ترسيم الحدود، هذا الملف الذي لم يتقدم قيد انملة إلا عندما تسلمه فخامته. وإذا كان صحيحاً أن الظروف الدولية والإقليمية ومنها حرب أوكرانيا وانقطاع الغاز الروسي عن أوروبا أصبحت ملائمة أكثر لضرورة الترسيم واستخراج الغاز والنفط، إنما كل ذلك لم يكن ممكناً لولا استكمال الملف الذي يحمله فخامة الرئيس ولولا المعادلة الاستراتيجية التي رسمها والتي تقول بتزامن استخراج الغاز بين لبنان والعدو الإسرائيلي، فلا استخراج غاز من كاريش إلا باستخراج غاز من قانا، مع التشديد على حصول لبنان على كامل حقوقه البحرية مع حبة مسك.

الرئيس المكلف يعطي صورة قاتمة عما سيؤول إليه الوضع إذا ما كُلف بتشكيل أي حكومة في المستقبل، إن ما يتوفر من فرص سانحة مجانية لتأليف حكومة قادرة كاملة المواصفات في المهلة المتبقية من عهد الرئيس ميشال عون تشكل فرصة ذهبية للرئيس المكلف لكي يبرهن للناس عن صوابية وفعالية مشروعه الإنقاذي. إنما وعلى ما يبدو فإن الرئيس المكلف في واد ومصلحة الناس والبلد في واد آخر، فالمغالاة بالتعلق بحكومة تصريف الأعمال وكأنها الحكومة الفضلى لإدارة البلد في هذه الفترة الانتقالية، هي معادلة تجافي الحقيقة وذلك لعدة أسباب نورد أهمها:

لقد غفلت حكومة تصريف الأعمال عن التصدي لمشكلة الكهرباء، بل وعلى الرغم من وضع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال خطة طوارىء للكهرباء تقوم على توفير الكهرباء بسعر الكلفة، فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال تصدى للخطة رافضاً لكل مسعى لتوفير الطاقة والانكفاء عن تقديم أي خطة بديلة.

أما الموضوع المالي ومعالجة موضوع ودائع اللبنانيين فحدث ولا حرج، فلم يقم رئيس حكومة تصريف الأعمال بأي جهد في سبيل إعادة هيكلة المصارف وتأمين أموال المودعين، أضف إلى ذلك رفضه المس بحاكم مصرف لبنان المسؤول عن النقد والإتيان بحاكم جديد يتحمل مسؤوليته في إدارة الملف المالي.

بالرغم من إقفال الإدارات العامة والمرافق العامة بفعل الإضراب الذي نفذه موظفو القطاع العام،  فإن رئيس حكومة تصريف انتظر مرور أكثر من شهر ونصف للبدء بمعالجة المشكلة، وكأن الدولة المقفلة والمشلولة أصبحت شعار المرحلة وأصبحت حكومة تصريف الأعمال بالإسم هي حكومة تجميد الأشغال بالفعل. فهل هذا هو النموذج الذي يريد رئيس حكومة تصريف الأعمال إعطائه للبنانيين؟

كاتب سياسي*