وعد جلالة السلطان هيثم بمتابعة الدور الحضاري والامانة التاريخية لعمان برؤية واضحة نحو المستقبل





تغيّرات جوهرية مهدت لعمان العبور نحو المستقبل برؤية واضحة

22/2/2021

 جلالة السلطان وعد باستمرار دورنا الحضاري وبتحمله الأمانة التاريخية

في الذكرى الأولى لخطاب «العقيدة» – 

سنة كاملة مرت على خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، يوم 23 فبراير 2020، والذي أسميته حينها في مقال نشر في هذه المساحة بخطاب “العقيدة”؛ لأنه كشف عن عقيدة السلطان السياسية في قيادته لعُمان ورؤيته لمستقبلها، عُمان التي تُعرف يقينا ماهيتها التاريخية ومكانتها الحضارية، ويُعرف ما راكمه إنسانها عبر آلاف السنين ومساهمتها الكبيرة في الحضارة الإنسانية. سنة كاملة مرت على ذلك الخطاب الكاشف الذي جاء في لحظة تاريخية استثنائية عاشها الوطن بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه. وبالقدر الذي كان العالم يرقب كمية الحزن الذي ارتسم على وجوه العمانيين واستقر في وجدانهم ومساحة الوفاء للسلطان المؤسس للنهضة الحديثة إلا أنه كان ينتظر خطاب العقيدة وفق تقاليد الدُّول العريقة والقادة العظام، على اعتبار أن خطاب العرش في لحظة التنصيب كان -رغم أهميته- مشحونا بدفقات الحزن والرثاء للسلطان الراحل، وذاك طبيعي جدا في تلك اللحظة الاستثنائية والفارقة، فالراحل كان عظيما، والحدث جلل.. وبعث الخطاب رسائل تطمين مباشرة للمحيط العربي والإقليمي والدولي أن عمان باقية على سياساتها وملتزمة بتعهداتها؛ وكان ذلك مهما جدا لاعتبارات كثيرة بينها أهمية عُمان في محيطها العربي والإقليمي ومكانتها بين دول العالم وأنها دولة قوية لا تتشظى برحيل قائدها ولو كان بحجم السلطان قابوس، ووصلت رسالة خطاب العرش وتقاطر قادة العالم إلى عُمان معزين في فقيدها العظيم ومباركين لقيادتها الجديدة. إلا أن خطاب العقيدة كان خطابا مختلفا بكل المقاييس وبلغة مختلفة أيضا عن لغة الخطاب الأول، وكان موجها في الأساس للداخل رغم تماهي الحدود بين الداخل والخارج لتشابك المصالح وتداخلها. كان مجرد ظهور جلالة السلطان المعظم في ذلك الخطاب وفي ذلك التوقيت وبتلك الرؤية الواضحة والشفافة والدقيقة والواثقة باعثا للأمل بين العمانيين، وكاشفا بجلاء لخطوط المستقبل. كانت الناس تتساءل عن التحديات التي تحيط بالمرحلة، وأولوياتها والرؤى التي تجعل النهضة العمانية متجددة، وتملك من الحيوية ما يعطيها القدرة على السير الطويل والمستمر نحو المستقبل، وكانت الإجابة بكل بساطة رغم عظم الكلمة: إنها عُمان.. عُمان هي عنوان المرحلة والانتقال بها إلى مستوى طموحات الجميع هو همها والمصلحة العليا للوطن هو الهدف، ولا بأس في سبيل ذلك من تسخير كل أسباب الدعم والتمكين لهذه الغاية الكبرى. طرح السلطان في ذلك الخطاب رؤيته المستقبلية لعُمان التي تسنّم عرشها المجيد، وكانت رؤية طموحة، لم تخاطب العواطف أبدا ولكنها خاطبت العقول بلغة واضحة لا لبس فيها. وألقى السلطان أول سطر في عقيدة حكمه: “لقد عرف العالم عمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كيانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال، على إعلاء رايتها، وتحرص على أن تظل رسالة عمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري وأمانتنا التاريخية”. وطرح في ذلك الخطاب مصطلح “الأمانة التاريخية” وهو مصطلح لم يأت مصادفة، كان مقصودا جدا، ومطلوبا أن يحمل مدلولاته المعرفية في أول خطاب من قائد يوجهه لأمته.. إنه يستشعر الأمانة التاريخية التي جعله القدر حارسها الأمين، ويعرف أن دوره الحضاري لا يقتصر على بناء مستقبل جديد لعُمان ولكنّه مسؤول أمام أمته والتاريخ عن أكثر من 10 آلاف سنة من حضارة عُمان بكل ما يزخر به ذلك التاريخ من رصيد، وتلك، ورب البيت، مسؤولية عظيمة وأمانة ثقيلة. ثم كان لتلك العقيدة أن أخذت مجراها، وتحولت إلى خارطة طريق، ومنهاج عمل. ودارت دواليب الحياة ومضى عام كامل. وكان عاما مليئا بالأحداث، مليئا بالتحديات الكونية وليست المحلية فقط، فرضتها جائحة صحية غيرت العالم وأزمة اقتصادية عصفت بكل شيء. رغم ذلك فإن العام مساحة زمنية تسمح لنا بالتأمل في مجرى وكيف جرى والسؤال عن الخطوط العريضة لتلك العقيدة السلطانية التي سمعناها في مثل هذا اليوم من العام المنصرم. حين أطلق السلطان في مثل هذا اليوم من العام الماضي وعده لم يكن قد مضى على حكمه أكثر من 42 يوما، وهي مدة قصيرة جدا لبناء العقيدة، ولكنّ العظام يملكون دائما تصوراتهم. وعد السلطان في ذلك اليوم شعبه باتخاذ “الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة؛ لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها”. وطرحت هذه الرؤية التقدمية الكثير من الأسئلة حول الزمن الذي يمكن أن تتحقق فيه. قال البعض إن الأمر يحتاج إلى سنوات، وقال آخرون بل عقودا، وقال السلطان بل هي أشهر. ولم تمض إلا أشهر وأعاد السلطان هيكلة الجهاز الإداري للدولة هيكلة جديدة وكأنه يضع خارطة جديدة على أرض جديدة، ولم تمضِ إلا شهور وقد أصدر السلطان نظاما أساسيا جديدا هو دستور للبلاد وإن لم يحمل الاسم. وهذه فاتحة لتأسيس أرضية تشريعية جديدة تتوافق ومتطلبات العصر. وحمل النظام/ الدستور آلية جديدة لانتقال الحكم تختلف عن الآلية السابقة. وتتضمن الآلية الجديدة مناداة بولي للعهد، وهي سابقة في التاريخ العماني. لكنها سابقة جاءت متناغمة مع تطور مفهوم الدولة في عُمان. وهذا تطور محمود من شأنه أن يكرس فكرة تطور الدولة عند العمانيين ويرسخ بنيانها. كما أصدر السلطان خلال تلك الشهور نظاما جديدا لمجلس عمان، وقوانين عديدة أخرى. فيما ينتظر خلال المرحلة القادمة صدور أكثر من قانون ترسخ تطور الدولة وتوجهاتها مثل قانون العمل وقانون الإعلام. وإذا كان صدور النظام الأساسي للدولة بما تضمنه من آلية لانتقال الحكم وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة هي درة تاج التغيرات الجوهرية التي حصلت في المرحلة السابقة فإن هيكلة الشركات الحكومية وإنشاء جهاز الاستثمار العماني لا يقل أهمية عما سبق، وهو من إنجازات “العام” الأول من أعوام النهضة المتجددة. وكان السلطان قد وعد في خطاب عقيدته “سنعمل على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، وسنهتم بدراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا ، وسنولي هذه الجوانب كل العناية والمتابعة والدعم”. وقد تحقق الوعد سريعا على أن الهيكلة مستمرة والعمل لا يتوقف من أجل الوصول إلى الغاية الأسمى. وأكد السلطان المعظم في ذلك الخطاب أنه “سنحرص على توجيه مواردِنا المالية التوجيه الأمثل، بما يضمن خفض المديونية، وزيادة الدخل، وسنوجه الحكومة بكافة قطاعاتِها لانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة، تضع تحقيق التوازن المالي، وتعزيز التنويع الاقتصادي، واستدامة الاقتصاد الوطني، في أعلى سُلّم أولوياتها”. ورغم أنه توجه ليس سهلا أبدا خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم إلا أن خطة التوازن المالي انطلقت ووضعت أهدافا قابلة للقياس وستظهر نتائجها خلال أربع سنوات قادمة حين تبدأ عُمان في تحقيق فائض سنوي. وهي اللحظة التي يتحقق فيها التوازن بين حجم الدخل وحجم الإنفاق. تعمل الحكومة اليوم بشكل حثيث من أجل إصدار نظام جديد للعمل يلغي الفروقات بين القطاعين الحكومي والخاص أو يقلصها إلى الحد الأدنى على أقل تقدير وبصدور القانون المنتظر في النصف الثاني من العام الجاري سيكون هناك إطار وطني شامل للتشغيل. كما تراجع الدولة في هذا الجانب نظم التوظيف في القطاع الحكومي لتطويره “وتبني نظما وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة والقدرة التي تساعدها على تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والخبرات والكفاءات الوطنية، واستيعاب أكبر قدر ممكن من الشباب، وتمكينهم من الانخراط في سوق العمل؛ لضمان استقرارهم، ومواكبة تطلعاتهم؛ استكمالاً لأعمال البناء والتنمية”. وأكد جلالة السلطان في عقيدته على أن “عمان دولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، قوامها العدل، كرامة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم فيها مصانة، بما في ذلك حرية التعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة”. كانت تلك بعض ملامح عقيدة السلطان السياسية التي فهمناها من خطابه الأهم قبل عام بالتحديد من اليوم. وكان جلالته وهو يخاطب بها أمته العمانية يعرف يقينا أنه يقف كما جاء في خطابه “بإرادة صلبة، وعزيمة لا تلين على أعتاب مرحلة مهمة من مراحل التنمية والبناء في عمان، مرحلة شاركتم في رسم تطلعاتها، في الرؤية المستقبلية “عمان2040”. وهذه المرحلة تحتاج إلى عزيمة الشباب لذلك خصهم جلالته بالتأكيد أنهم “وموردها الذي لا ينضب” وهم “سواعدها التي تبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها”. لكن مع ذلك أكد أن “عُمان تأسست وترسّخ وجودها الحضاري بتضحيات أبنائها، وبذلهم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على عزتها ومنعتها، وإخلاصهم في أداء واجباتهم الوطنية، وإعلائهم لمصالح الوطن على المصالح الشخصية”. وكانت آخر مبادئ تلك العقيدة التي أعلنها السلطنة في ذلك الخطاب أن عاهد الله على تكريس حياته “من أجل عُمان وأبناء عُمان؛ كي تستمر مسيرتُها الظافرة، ونهضتها المباركة”.