تساؤلات: ""لماذا يتدخل الآخرون في الحصة السُّنية طالما أنّ الحريري نأى بنفسه عن العقدتين المسيحيّة والدرزيّة."





لهذه الأسباب تدخّل رئيس الجمهوريّة لمساندة سعد الحريري

05 تشرين الثاني 2018 -

مروى غاوي

لا يزال الموقف الرئاسي الصادر عن قصر بعبدا المتضامن مع الرئيس المكلّف سعد الحريري يخضع لتفسيرات مختلفة لتحديد ماهيّته وخلفيّاته. لكنّ القصة أبعد من مقعد وزاري للطائفة السُّنية من حصّة معارضة "8 آذار" وليس تفضيلاً لفريق على حساب فريق آخر أو مجرّد انحياز "عبثي" من جانب بعبدا للرئيس المكلّف. الموقف الرئاسي، الذي فاجأ المراقبين كونه يخالف رغبة "حزب الله" في الموضوع السُّني، يتضمّن أسباباً مؤكّدة ستظهر مع اتضاح صورة الحل والمخرج للمأزق الحكومي الراهن.

في الاعتبارات الرئاسيّة الشكليّة فإنّ رئاسة الجمهوريّة ترفض تحجيم الحريري وضرب صورته داخل الحكومة. فرئيس "تيّار المستقبل" قدّم الكثير من التنازلات في مسيرته السياسية وفترة حكمه مع ميشال عون، لم يتدخّل في عمليّة التشكيل لدى الكتل السياسيّة التي تصارعت على المقاعد وكاد يتخلى عن حلفائه أثناء التفاوض؛ فلم يقدّم النجدة لـ"القوّات اللبنانيّة" عندما حشرها "التيّار الوطني الحر"؛ ولم يساند المختارة في العقدة الدرزيّة إلا بالكلام بهدف تسريع الولادة الحكوميّة. والسؤال الذي تطرحه بعبدا: "لماذا يتدخل الآخرون في الحصة السُّنية طالما أنّ الحريري نأى بنفسه عن العقدتين المسيحيّة والدرزيّة.

بدا الرئيس سعد الحريري متساهلاً مع مطالب "حزب الله" ولم يعترض، لا بل أبدى مرونة بمنحه وزارة الصحّة رغم حملة التحذيرات الغربيّة والتلويح بالعقوبات. ووقف مؤيّداً إسناد حقيبة الأشغال العامة لسليمان فرنجيّة حليف "حزب الله" عندما اشتدّت حملة "التيّار الوطني الحر" لانتزاع هذه الحقيبة منه.

لم يكن في تصوّر بعبدا أنْ تخضع علاقة الحريري و"حزب الله" لمثل هذا الاختبار على مشارف الانتهاء من تشكيل الحكومة. فالحريري سلّف "حزب الله" الكثير في السياسة من رصيده السياسي والشعبي، مغلّباً خيار الاستقرار في العلاقة على خيارات المواجهة. فلم تتأثّر العلاقة بمرافعات "المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان" ولا بالـ"فيتو" الأميركي على إعطاء "حزب الله" وزارة الصحّة العامة، ولطالما كانت علاقة الحريري بـ"حزب الله" محكومة بالتهدئة والنأي بالنفس المطلوبة من الدول الغربيّة إلى درجة أنّ المجتمع الدولي تفاجأ بدفاع الحريري عن سلاح "حزب الله" ومشاركته في الحكومة بحقائب وازنة.

"لاءات" عدّة ترفعها الرئاسة الأولى في موضوع التوزير السُّني، "لا" لإضعاف الحريري وإحراجه لإخراجه فلا أحد يرغب باستبداله وهو يحظى بإجماعين داخلي وخارجي لبقائه على رأس الحكومة، و"لا " بعبدا تنطلق من شعور بمظلوميّة طالته في محطات سياسيّة عدّة، فرئيس "تيّار المستقبل" أثبت في أكثر من محطة أنّه رجل دولة متمسّك بالتسويات على حساب رصيده وشعبيّته السُّنية وقد حان الآوان ليستعيد قوّته في الشارع خصوصاً وأنه دفع ثمن خياراته السياسيّة في الانتخابات النيابية تراجعاً في عدد نوّاب كتلته النيابيّة.

الثانية هي "لا" لاقتطاع وزير من حصّة "تيّار المستقبل" لانعكاس ذلك سلباً على وضعية الحريري في شارعه ولدى جمهوره. وعليه تصرّ بعبدا على حماية سعد الحريري ومدّه بجرعات دعم مقوّية للوصول إلى نهاية الـ"ماراثون" الحكومي من خلال تكريس الشراكة وتجديدها مع السرايا. فالعلاقة بينهما كانت نموذجيّة في السنتين الأوليين من العهد، إذ قدّم الحريري التسوية السياسيّة على اي خيار آخر وسار بقانون الانتخاب رغم عدم ملاءمته لمتطلبات "تيّار المستقبل" وخاصم "حزب الله" بشرف، وصالحه بشرف أيضاً من أجل الاستقرار.

تتمسّك الرئاسة الأولى بالشراكة مع الرئاسة الثالثة وقد لعب رئيس الحكومة، إلى جانب رئاسة الجمهوريّة، أدواراً أساسيّة في إعادة وصل لبنان بشبكة الأمان الدوليّة وتدعيم الاستقرار الأمني والسياسي، ولسان حال بعبدا يكاد يكون "كفى ظلماً للرئيس سعد الحريري".

في كواليس الموقف الرئاسي أيضاً يمكن تلمّس انتفاضة رئيس ممنوع عليه الحصول على الثلث المعطل في حكومة العهد القويّة، أو أنّ "حزب الله" رفع البطاقة الصفراء في وجه تناغم الرئاستين الأولى والثالثة ويمكن أنْ يكون هناك ألف سبب وسبب، ومن بينها ما يتّصل بتطوّرات المشهد الإقليمي، لكنّها كلّها مجرّد تحليلات، فعندما تنتهي عاصفة العقوبات وينجلي الوضع في محيطنا، ستكون هناك حقيقة أخرى مختلفة.